أصوات من غزّة: مذكرات جماعية

نشر في:

شهد العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي مدى فاعلية سرد القصص الشخصيّة في غزة، المنطقة المظلومة، المفهومة بشكل خاطئ أو ببساطة غير مألوفة للعالم. في سياق هذه السرديّة، إليكم سلسلة قصص من أفراد في غزة يشاركون تجاربهم منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول.

5 كانون الثاني 2024: أحلم بحياة طبيعية.

في غزة، حيث تتشابك قصص الصمود والنضال، يواجه ‘إسلام’ معركة على جبهتين. فهو لا يحارب السرطان فحسب، بل أيضًا يمر بظروف الحرب المستمرة التي تزيد من الصعوبات على حياته الصعبة أصلاً. هجّر من منزله الذي أصبح كومة من الركام منذ بداية الحرب، ووجد نفسه يخضع لجلسات العلاج الكيميائي فقط عندما تكون متاحة وبشكل متقطّع داخل أحد الصفوف في مدرسة أصبحت له ملجأً ومستشفى.

قبل أن يتم تشخيص ‘إسلام’ بالسرطان في مرحلة متقدمة، كان يقضي أيامه كعامل بناء. “قبل ثلاث سنوات، اضطررت إلى التوقف عن عملي لأنني أصبحت ضعيفًا جدًا وأردت التركيز على تلقي علاج السرطان”، يروي إسلام. خلال تلك الفترة الصعبة، كان لإسلام حظًا أن يحصل على إحالة لتلقي العلاج في مستشفى في القدس، تبعتها فترة حرجة حيث اضطر الأطباء إلى إزالة بعض أعضائه من خلال إجراء جراحي. في الوقت الحاضر، هناك أمل ضئيل له في متابعة علاجه في مستشفى القدس، ولكنه ينتظر بفارغ الصبر أن يسمح له بتلقي العلاج في تركيا. “قليلون من مرضى السرطان بالمراحل المتطورة حظوا بفرصة مغادرة القطاع؛ انا انتظر بصبر دوري.”

في خضم النزاع، أصبحت الحياة في الملاجئ تشكل تحديات يومية. يواجه إسلام كل يوم، مثل الكثيرين غيره، ندرة الطعام وغياب الضروريات الأساسية. يشارك قائلاً:

“لا يوجد ماء نظيف للشرب، لذا يتعين علينا اللجوء إلى الماء الملوث. ونقص الطعام قد سبب لي مشاكل حادة في المعدة.”

تتجاوز التحديات التأثيرات الفورية للحرب، فالمستشفى الذي كان يتلقى فيه إسلام علاجه الكيميائي غير متاح في الوقت الحالي، مما يجعل وصوله إلى العلاجات الطبية الحيوية شبه معدوم. قصة إسلام تتجاوز تجربته الشخصية، فزوجته تحارب فشل الكلى أيضاً وليس لديها قدرة الوصول إلى علاجها. كلاهما يواجهان تدهورًا في الحالة الصحية، ما يجعل العناية بأطفالهم أمرًا صعبًا للغاية.

عبّر إسلام بشكل صادق قائلاً: “آمل حقًا أن تهتم كل منظمة وكل شخص لديه قلب بنا. أتمنى أن تنتهي الحرب بسرعة، وتعود الحياة إلى إيقاعها الطبيعي، وأن أجد منزلًا آخر. أحلم بحياة طبيعية وفرصة للسفر لأتعالج من السرطان.”

في خضم الصعوبات، تردد قصة إسلام صدى التحديات والصراعات التي تعيشها العديد من الأصوات في غزة، كل منها شهادة على روح الإنسان الصامدة في وجه الحرب.

كل عام في غزة، يُشخص أكثر من 2,000 شخص بمرض السرطان، وأكثر من 1,000 شخص يعتمدون على غسيل الكلى للبقاء على قيد الحياة. قبل بداية الحرب، كان هناك 36 مستشفى في غزة، واليوم 23 منها خارجة عن الخدمة وتعمل 9 فقط بطاقة وإمكانيات ضعيفة، و 4 منها تعمل بالحد الأدنى. في الجزء الشمالي من القطاع، لا توجد مستشفيات.


12 كانون الأول 2023: لم أكن متأكدة أننا سننجو!

تواجه سيدة المصري، أم في الثالثة والثلاثين من عمرها من غزة، تحديات هائلة في أعقاب الحرب. بعد نزوحها قبل بضعة أسابيع من منزلها في مخيم معسكر في مدينة غزة، تحملت سيدة رحلة شاقة امتدت ما يقارب 28 كيلومترًا، نصفها على الأقل كان سيرًا على الأقدام ونصفها بالسيارة مع أطفالها. تقيم هي وأطفالها الـ11 في خيمة صغيرة مؤقتة بالقرب من مستشفى ناصر في خان يونس، فلم يبقى مأوى يتسع لعائلتها الكبيرة.

مع اشتداد قساوة الشتاء، تزيد درجات الحرارة المنخفضة من صعوبة وضعهم. مستذكرةً رحلتها، تقول سيدة: “رحلتي إلى هنا كانت واحدة من أكثر اللحظات رعبًا في حياتي. لم أكن متأكدة أننا سننجو!”

بين المعاناة من النزوح وترك منزلها بدون أية مقتنيات، تتصارع سيدة أيضًا مع الواقع القاسي الذي يفتقر فيه أطفالها إلى ملابس دافئة وسقف يحميهم، ما جعلهم عرضةً للأمراض وتدهور في حالتهم الصحيّة. “عدم قدرتنا على توفير دواء لأطفالي يجعل حالتهم الصحية أسوأ. كل يوم يمر أسوأ من الأيام السابقة.”

بالإضافة لما تعيشه اليوم، تحمل سيدة مخاوف كبيرة من فترة ما بعد الحرب، وهي تسأل نفسها عن إمكانية العودة إلى منزلها وما إذا كان منزلها لا يزال صالحًا للسكن أو موجودًا حتى، وتسأل عن مستقبل أطفالها وصحّتهم وتوفّر العلاجات اللازمة وغيرها من الضروريات. “عدم اليقين حول المستقبل يثقلني كثيرًا،” وهذا يبرز تأثير الحرب الكبير على حياة المدنيين الأبرياء مثل سعدة وعائلتها.

على الرغم من الصعوبات، تتمسّك سيدة بأمل العودة إلى منزلها يومًا ما، مع أمنية أنه “ستكون هناك هدنة دائمة.” يتوقف أملها على إمكانية وقف إطلاق النار وهدنة دائمة تسمح لها أن تعود مع عائلتها لحياتهم الطبيعية.
“لا أريد شيئًا غير العودة إلى منزلي وعودة أطفالي إلى المدرسة. أريدهم أن يحلموا بمستقبلهم… ولكن مع الواقع الذي نعيشه، يبدو كلّ ذلك حلمًا بعيد المنال.”


4 كانون الأول 2023: لن أرحل:

هذه فوزية، هي و 18 فردًا من عائلتها. حالها كحال الكثيرين في غزة، واجهت فوزية الواقع المأساوي للحرب.

بعد نزوحها سيرًا على الأقدام للجوء إلى مأوى تابع للأمم المتحدة، قالت: “الوضع في المأوى سيء للغاية، لا يمكننا حتّى استخدام الحمّام! كان علينا السير إلى مدرسة أخرى لتلبية حاجاتنا.”

شرحت فوزية عن التحديات في الملاجئ والنقص في الطعام والضروريات، قائلة:

“لم تكن المياه متوفرة في المدرسة التي كنا نلجأ إليها، الحياة هناك صعبة للغاية. التواجد في خيمة أفضل بكثير من الجلوس في هذا المأوى. أصبحت الملاجئ مليئة بالناس والأمراض… حفيدي أصيب بعدوى عانى منها كثيراً. الوضع تعيس جداّ في المأوى.”

وسط الفوضى، استغلت فوزية الفرصة خلال الهدنة “عدت إلى منزلي سيرًا على الأقدام.” على الرغم من تدمير منزلها إلى حطام، كانت العودة له تحمل أهميّة عميقة بالنسبة لها. “الآن، مع وقف إطلاق النار، عدنا إلى منزلنا على الرغم من أنه حطام، لكنه لا يزال أفضل بكثير من المأوى! هذا منزلي وأرضي وحياتي، ولن أرحل.”

المزيد من الإدخالات قادمة.

OUR BLOG

Related

English في هذا السجل، ستقدم أنيرا تحديثات حول الوضع المتغير في فلسطين و استجابتنا. يرجى متابعة هذه الصفحة للحصول على أحدث المعلومات. 17 نيسان 2024 اليوم، قام فريق أنيرا في غزة بتوزيع 23,000 وجبة ساخنة من الدجاج والأرز في مطبخنا…

Read More

وصلت اللحظة التي كنا نخشاها منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر، لقد فقدنا أحد زملائنا الأعزاء في غزة. بقلب ثقيل، تعلن أنيرا عن استشهاد زميلنا موسى شوا، شهيد العمل الإنساني، في 8 آذار / مارس 2024 في الزوايدة –…

Read More
Read More

تبرع اليوم وغير حياة إنسان إلى الأبد